وفق منظمة الصحة العالمية فإن تقص الحديد هو أكثر أشكال نقص التغذية شيوعاً، حيث يعاني حوالي ثلث سكان الكوكب منها، أي حوالي ملياري إنسان؛ ويشيع ذلك على وجه الخصوص بين الفتيات.
يعتبر الحديد عنصرا مهما في الجسم غير أنه يوجد بكميات ضئيلة، حيث أن جسد الرجل الذي يبلغ وزنه 70 كجم يحتوي على حوالي 4 جم من الحديد بينما يحتوي جسم المرأة بوزن 60 كجم على 2.5 جم من هذا العنصر. ويتم امتصاصه بشكل أساسي في الأمعاء الدقيقة.
يوجد الحديد في الهيموجلوبين الموجودة في خلايا الدم الحمراء والتي تحمل الأكسجين إلى جميع الخلايا. كما أنه موجود في الميوجلوبين، وهي مادة تشبه الهيموجلوبين غير أنها تساعد العضلات على تخزين الأكسجين.
الحديد ضروري لإنتاج الأدينوزين ثلاثي الفوسفات (أ.ت.ب)، والذي يعتبر المصدر الأساسي لطاقة الجسم، حيث يشارك في العديد من العمليات الفسيولوجية الحيوية، مثل تنظيم نمو الخلايا وإمكانية التمييز بينها.
لا يستطيع الجسم إنتاج الحديد وبالتالي يجب أن يكتسبه من الأطعمة التي تحتوي عليه. ومن عجائب الله في خلقه، فعندما ينخفض مخزون الحديد في الجسم، يزداد معدل امتصاصه بالتوازي. ومن ناحية أخرى، فعندما تكون نسبته عالية، يقل إمتصاصه من الجسم، وهذا له تأثير وقائي ضد التأثيرات السامة لنسبة الحديد الزائدة في الجسم أو العكس.
في المقابل جذب فائض الحديد في الجسم انتباه الباحثين في السنوات الأخيرة. فهذا العنصر سيف ذو حدين، حيث يمتلك جسم الإنسان آليات قليلة للتخلص منه، لذلك يتراكم بسهولة. يمكن أن يرتبط الحديد الزائد بأمراض معينة، لكن هذه الفرضية لا تزال قيد البحث.
يتواجد الحديد في الغذاء على شكل نوعين رئيسيين: الهيم وغير الهيم. تحتوي اللحوم الحمراء والدواجن والأسماك والمأكولات البحرية على الحديد الهيم وغير الهيم. بينما تحتوي الفواكه المجففة والدبس والحبوب الكاملة والبقوليات والخضروات والفواكه المقشرة والبذور والبيض ومنتجات الألبان على الحديد غير الهيم فقط.
كما تجدر الإشارة كون منتجات الألبان تحتوي على القليل جدًا من الحديد، لكن الكالسيوم الذي تحتويه قد يتضاد مع الحديد ويمكن أن يتداخل مع امتصاصه من الجسم.
يبلغ متوسط معدل امتصاص الحديد الهيم حوالي 25٪ (15٪ إلى 35٪)، بينما يبلغ معدل امتصاص الحديد غير الهيم حوالي 5٪ (2٪ إلى 20٪). و يُعزى الاختلاف في الامتصاص إلى وجود مركبات معينة في النباتات (حمض الفيتيك والعفص). يجدر الذكر أن فيتامين "س" والبروتين وكذلك الحديد الهيم يحسن من امتصاص الحديد غير الهيم. وكمثال على هذا ففي الولايات المتحدة وكندا، يتم تقوية بعض المنتجات المكررة، مثل دقيق القمح وحبوب الإفطار والأرز المطبوخ مسبقًا والمعكرونة، بالحديد غير الهيم.
قبل التطرق لهذه الفقرة يجدر التذكير أن نقص الحديد أمر غير معتاد لدى الرجال، ووجب التنبيه على الرغم من أن نقص الحديد شائع جدًا بين النساء في البلدان المتقدمة، إلا أنه يجب عليهن تناول مكملات الحديد فقط بعد التشخيص وتحت إشراف طبي.
في أوائل التسعينيات، أشارت نتائج الدراسات الوبائية التي أجريت في شمال أوروبا، ولا سيما في فنلندا، إلى أن الحديد الزائد في الجسم مرتبط بزيادة حدوث احتشاء عضلة القلب. ولقد أطلق نشر هذه النتائج جدلاً لا يزال مستمراً داخل المجتمع العلمي. نحن نعلم أن فائض الحديد في الجسم له تأثير مؤكسد. لكن نتائج التحليلات التلوية المنشورة حتى الآن لا تسمح باستخلاص نتيجة واضحة فيما يتعلق بالتأثير الحقيقي لمخازن الحديد الزائدة في الجسم على زيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب واضطرابات القلب والأوعية الدموية. ولهذا فلا يزال الخبراء يوافقون على الحد من تناول مكملات الحديد والالتزام بالمدخول الغذائي الموصى به.
تشير دراسة نُشرت في عام 2013 أيضًا إلى وجود ارتباط بين المستويات العالية من مخزون الحديد في الجسم ووجود عوامل الخطر المتعلقة بالقلب والأوعية.
تشير كذلك بعض البيانات الوبائية إلى أن الحديد الزائد قد يرتبط أيضًا بزيادة مرض السكري من النوع 2 وأنواع معينة من السرطان، ولكن لم يتم تأكيد هذه الروابط بشكل حتمي.
في عام 2014، أظهر الباحثون أن المستويات العالية من الفيريتين، والتي تمكن جرعاتها من تقييم مخزون الحديد في الجسم، مرتبطة بزيادة وجود متلازمة التمثيل الغذائي بنسبة (+ 73٪)، والتي تتميز بوجود الأعراض السريرية التالية: سمنة في البطن، مقاومة الأنسولين، فرط شحميات الدم وارتفاع ضغط الدم. ومع ذلك، لم تتمكن فرق البحث الأخرى من تأكيد هذا الرابط.
من المعروف أن الحديد معدن أساسي. ومع ذلك، عندما تكون نسبته مرتفعة في الطعام، يمكن أن يكون له تأثير مؤكسد. بدلاً من حمايتنا، فإنه يهاجم بعض هياكل الجسم (مثل مفعول الصدأ) وربما يرتبط بزيادة مخاطر الإصابة بأمراض القلب.
عندما تكون مصادر الحديد غذائية فقط، فإن تناول كميات كبيرة من الحديد يرتبط دائمًا باستهلاك الكثير من اللحوم الحمراء. ومع ذلك، فإننا نعلم أن استهلاك اللحوم الحمراء يجب أن يكون محدودًا نظرا لأثارها الجانبية في حال زادت عن حدها.
باختصار، فإن وصف جرعة أصغر من عنصر الحديد يؤدي للحصول على الفوائد المرجوة، ويقلل من الآثار الجانبية ولا تؤدي إلى التخلي عن العلاج.
تعتبر مكملات الحديد عند حوالي 30 مجم يوميًا أثناء الحمل ممارسة عادية في الطب التقليدي، حيث قد يكون من الصعب تلبية الاحتياجات المتزايدة للمرأة الحامل (27 مجم يوميًا) من خلال النظام الغذائي وحده. ومع ذلك، فإن هذه الممارسة موضع تساؤل. على سبيل المثال، في عام 2004، اقترح باحثون فرنسيون لإستعمال هذه الممارسة فقط بالنسبة للنساء المعرضات لخطر الإصابة بفقر الدم أو اللواتي يتم تشخيصهن بفقر الدم. نفس الموقف يتم العمل به في بريطانيا حيث لا ينصح بالمكملات المنتظمة.
في عام 2009، قدر باحثو التغذية الكنديون، بعد الأخذ بعين الاعتبار الحديد الموجود في النظام الغذائي، أن أي مكمل غدائي يوفر 16 ملغ من الحديد يوميًا هو كافٍ وآمن؛ و تعتبر وزارة الصحة الكندية أن مكملات الحديد غير ضرورية "للنساء اللائي يتمتعن بتغذية وصحة جيدة ويتناولن الأطعمة الغنية بالحديد الهيم والحديد غير الهيم وفيتامين س".
في عام 2014 ، نظر فريق صيني في أثار مكمل الحديد لدى النساء الحوامل اللائي يعانين من فقر دم ضئيل أو لا يعانين من فقر الدم. تشير النتائج إلى أن الاستهلاك اليومي من الحديد (30 ملغ) مع حمض الفوليك (400 ميكروغرام) قبل الأسبوع العشرين من الحمل يقلل من انتشار نقص الحديد، مقارنة بالمجموعة التي لم تتناول سوى حمض الفوليك. ومع ذلك، لم يلاحظ أي انخفاض في انتشار فقر الدم.
فهل يجب الامتناع عن تناول مكملات الحديد؟ في كثير من الحالات، الجواب هو نعم. ذلك لأن الأشخاص الوحيدون الذين يجب أن يتناولوا مكملات الحديد هم النساء في سن الإنجاب (بالجرعات الطبيعية والموجودة في الفيتامينات الأخرى) والأشخاص الذين تم تشخيصهم بنقص الحديد (فقر الدم أو غير ذلك).
يجب على النساء والرجال انطلاقا من سن الخمسينات الحد من تناول الحديد في مكملاتهم الغذائية. ومن ناحية أخرى، فليس من الضروري تمامًا تجنب أي فيتامينات متعددة تحتوي على الحديد، لأن هذه المكملات تحتوي على جرعات منخفضة منه، إلا إذا كنت من المستهلكين للحوم بكميات كبيرة.
المصادر:
https://www.passeportsante.net/fr/Solutions/PlantesSupplements/Fiche.aspx?doc=fer_ps
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.