أصبح الاستعمال طويل الأمد لمجموعة من العلاجات العرضية التي تستعمل عادة لفترات قصيرة فقط، كمسكنات الألم مثلا (انظر مقال : هل الباراسيطامول آمن ؟) أو مضادات الحموضة، شائعا بين الناس لدرجة أن هناك من المرضى من يستعملها بشكل يومي و مزمن، دون استشارة مهنيي الصحة و هذا يشكل خطرا داهما عليهم.
و في هذا الإطار أصبح العديد من الباحثين يقومون بدراسات للاستعمال الممتد في الزمن، لأدوية معروفة بأمانها فقط في إطار الاستعمالات القصيرة، و ذلك محاولة منهم لفهم عاقبة هذا التصرف الخطير و الشائع لدى المرضى.
من بين الأدوية المعنية بهذه الدراسات في السنين الأخيرة، أدوية الحموضة من فئة "مثبطات مضخة البروتون".
صحيح أن مثبطات مضخة البروتون هي أكثر الأدوية فاعلية و أمانا في التقليل من إفراز حمض المعدة ويتم وصفها بشكل شائع في جميع أنحاء العالم. لكن كسائر الأدوية، مثبطات مضخة البروتون لها استعمالاتها العلاجية التي اكتشفت و درست من أجلها :
من بين أخطار الاستعمال المزمن و المتواصل لهذا النوع من الأدوية دون استشارة مهنيي الصحة هو أنه يحتمل أن يكون لها دور في ظهور سرطان المعدة ... فكيف ذلك؟
التفاعل مع عدوى البكتيريا الحلزونية اللولبية:
سرطان المعدة، هو أحد السرطانات الأكثر انتشارا في العالم مع معدل وفيات مرتفع و تمثل عدوى البكتيريا الحلزونية اللولبية العامل الرئيسي للإصابة به.
لكن في الوقت الذي يقلل فيه القضاء على هذه البكتيريا من خطر الإصابة بسرطان المعدة، يقع العديد من المرضى في خطأ الاستخدام طويل الأمد أي المزمن للبرشام المضاد للحموضة، دون الكشف عن سبب هذه الحموضة المزمنة و علاجه.
إذ في الحالة التي لا تتحسن فيه حالة المريض بعد أسابيع من استعمال برشام الحموضة ينبغي عليه، و لا بد، الكشف الطبي عن الحالة الصحية للمعدة، إذ غالبا ما تكون البكتيريا اللولبية الحلزونية هي السبب في أعراض الحموضة المزمنة و هي منتشرة كثيرا في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط كالمغرب. و يتبع الكشف الطبي تناول المريض لبعض المضادات الحيوية بالإضافة لمثبطات مضخة البروتون حتى يقضي على هذه الجرثومة و يتماثل للشفاء بصفة نهائية.
أما عدم الكشف مع الاستمرار في التطبيب الذاتي و التناول المزمن لهذا النوع من مضادات الحموضة بتواجد متزامن للبكتيريا فهو أمر خطير، إذ أن البكتيريا الحلزونية اللولبية تستعمر بشكل عام منطقة "غار البواب" أنظر الصورة أسفله، وتسبب في التهابها مما يؤدي إلى تحفيز إفراز المعدة أي أن البيئة تصبح فيها شديدة الحموضة. و عندما يتم كبح إنتاج الحمض بواسطة مثبطات مضخة البروتون، ينتقل بعدها التهاب الغشاء المخاطي الذي سببته البكتيرية الحلزونية إلى التهاب في جسم المعدة مع إضعاف لوظيفة الخلايا الجدارية و هو ما يشكل عامل اختطار قد تبرز معه و تنماو الخلايا السرطانية.
من جهة أخرى يمكن أن يؤدي إيقاف إنتاج حمض المعدة بواسطة مثبطات مضخة البروتون إلى ارتفاع نمو أنواع من البكتيريا (غير البكتيريا الحلزونية اللولبية) والتي تؤدي إلى تفاقم الالتهاب المزمن بها. و لقد ثبت أن ارتفاع نمو البكتيريا في المعدة بالتزامن مع عدوى البكتريا الحلزونية اللولبية يؤدي إلى ارتفاع مستوى السيتوكينات وبذلك زيادة خطر الإصابة بالتهاب المعدة الضموري. ومن المثير للاهتمام، أنه قد أثبت دراسات تغير وتنوع عالي على مستوى الجراثيم المتكاثرة في المعدة عند مستخدمي مثبطات مضخة البروتون.
فرط إفراز هرمون الجاسترين:
وقف إنتاج حمض المعدة بواسطة مثبطات مضخة البروتون يؤدي عادة إلى زيادة في إنتاج الجاسترين كاستجابة مرتدة سلبية. في هذا الإطار أظهرت مراجعة منهجية حديثة تتضمن 16 دراسة على 1920 مريضًا أنه خلال استخدام مثبطات مضخة البروتون على المدى الطويل (> 3 سنوات)، ارتفع متوسط مستويات الجاسترين ثلاثة أضعاف عن الحد الأعلى الطبيعي. و يشتبه أن زيادة مستوى الجاسترين يلعب دورًا في تطور سرطان المعدة عن طريق تحفيز تضخم الخلايا الشبيهة بالمعوية في الغشاء المخاطي، والذي يحدث عند 10-20 ٪ من المرضى الذين يستخدمون مثبطات مضخة البروتون على المدى الطويل.
كما افترضت دراسة أخرى أن تعزيز نمو سرطانات المعدة من "النوع المعوي" قد يكون أيضا بسبب التأثير غير المباشر لفرط جسترين الدم، عن طريق تحفيزه بواسطة أدوية أخرى مثل الهيستامين وبروتين التجديد الجيني.
توصيات بشأن استخدام مثبطات مضخة البروتون
تعد مثبطات مضخة البروتون من الأدوية الأكثر فعالية، سواء وحدها أو استدعى العلاج استعمالها مع أدوية أخرى لعلاج مرض القرحة الهضمية، البكتيرية اللولبية الحلزونية والارتجاع المعدي المريئي، و كذلك في منع النزيف المعدي المعوي المرتبط بالأسبرين أو مضادات الالتهاب الغير الستيرويدية عموما. هذه الاستعمالات لا تتعدى عموما بضعة أسابيع.
لكن في المقابل قد تتطلب بعض الحالات السريرية استخدام مثبطات مضخة البروتون على المدى الطويل (لسنوات متواصلة)، لذلك من المستحسن في هذه الحالة أن يتم اختبار البكتيريا الحلزونية اللولبية والقضاء عليها ما إذا كانت موجودة مع المراقبة المستمرة لصحة المريض لمنع تطور الضمور المعدي وبالتالي تقليل مخاطر الإصابة بسرطان المعدة و كذلك للتقليل من الأثار الجانبية الأخرى للاستعمال طويل الأمد لهذه الفئة من الأدوية.
انظر كذلك نصائح الاستعمال الرشيد ل :
مراجع:
Cheung, K. S., & Leung, W. K. (2019). Long-term use of proton-pump inhibitors and risk of gastric cancer: a review of the current evidence. Therapeutic Advances in Gastroenterology, 12, 175628481983451. doi:10.1177/1756284819834511
Macke, L., Schulz, C., Koletzko, L., & Malfertheiner, P. (2020). Systematic review: the effects of proton pump inhibitors on the microbiome of the digestive tract-evidence from next-generation sequencing studies. Alimentary Pharmacology & Therapeutics. doi:10.1111/apt.15604
أضف تعليقك
من شروط النشر : عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الإلهية، والابتعاد عن التحريض العنصري والشتائم.